فصل: اللغة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير الإشاري:

قال النيسابوري:
التأويل: إنّ المنافقين يخادعون الله في الدنيا لأن الله خادعهم في الأزل حيث رش نوره وشاهدوه ثم أخطأهم إن شكرتم نعم الله عليكم وآمنتكم أنفسكم من عذابه {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول} من العوام ولا من التحدث بالنفس من الخواص ولا من الخواطر من الأخص {إلاّ من ظلم} إما بتقاضي دواعي البشرية من غير اختيار أو بابتلاء من اضطرار. وأيضًا {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول} بإفشاء سر الربوبية، وإظهار مواهب الألوهية، أو بكشف القناع من مكنونات الغيب ومصونات غيب الغيب {إلا من ظلم} بغلبات الأحوال وتعاقب كؤوس الجلال والجمال فاضطر إلى المقال فقال باللسان الباقي لا باللسان الفاني: أنا الحق وسبحاني {إن تبدوا خيرًا} مما كوشفتم به من ألطاف الحق تنبيهًا للخلق وإفادة بالحق، أو تخفوه صيانة لنفوسكم عن آفات الشوائب وفطامها عن المشارب {أو تعفوا عن سوء} مما يدعو إليه هوى النفس الأمارة، أو تتركوا إعلان ما جعل الله إظهاره سوءًا {فإن الله كان عفوًا} فتكون عفوًا متخلقًا بأخلاقه {إن الذين يكفرون} فيه إشارة إلى أن الإيمان لا يتبعض وإن كان يزيد وينقص مثاله شعاع الشمس؛ إذا دخل كوّة البيت فيزيد وينقص بحسب سعة الكوة وضيقها، ولكن لا يمكن تجزئتها بحيث يؤخذ جزء منه فيجعل في شيء آخر غير محاذ للشمس والله تعالى أعلم. اهـ.

.تفسير الآية رقم (153):

قوله تعالى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآَتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا (153)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أخبر تعالى بما على المفرقين بين الله ورسله وما لأضدادهم أتبعه بعض ما أرادوا به الفرقة، وذلك أن كعب بن الأشرف وفنحاص بن عازورا من اليهود قالا كذبًا: إن كنت نبيًا فأتنا بكتاب جملة من السماء نعاينه حين ينزل- كما أتى موسى عليه الصلاة والسلام بكتابه كذلك، فأنزل الله تعالى موبخًا لهم على هذا الكذب مشيرًا إلى كذبهم فيه موهيًا لسؤالهم محذرًا من غوائله مبينًا لكفرهم بالله ورسله: {يسألك}.
ولما كانت هذه من أعظم شبههم التي أضلوا بها من أراد الله، وذلك أنهم رأوا أن هذا الكتاب المبين أعظم المعجزات، وأن العرب لم يمكنهم الطعن فيه على وجه يمكن قبوله، فوجهوا مكايدهم نحوه بهذه الشبهة ونحوها، زيفها سبحانه وتعالى أتم تزييف، وفضحهم بسببها غاية الفضيحة، وزاد سبحانه في تبكيتهم بقوله: {أهل الكتاب} إشارة إلى أن العالم ينبغي له أن يكون أبعد الناس من التمويه فضلًا عن الكذب الصريح {أن تنزل عليهم} أي خاصًا بهم بإثبات أسمائهم {كتابًا من السماء}؛ وما أوهموا به في قولهم هذا من أن موسى عليه الصلاة والسلام أتى بالتوراة جملة كذبة تلقفها منهم من أراد الله تعالى من أهل الإسلام، ظنًا منهم أن الله تبارك وتعالى أقرهم عليها وليس كذلك- كما يفهمه السياق كله، ويأتي ما هو كالصريح فيه في قوله: {إنا أوحينا إليك}- الآية كما سيأتي بيانه، واليهود الآن معترفون بأنها لم تنزل جملة، وقال الكلبي في قصة البقرة التي ذبحوها لأجل القتيل الذي تداروا فيه: وذلك قبل نزول القسامة في التوراة.
ولما كان هذا مما يستعظمه النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى ذلك مبينًا تسلية له صلى الله عليه وسلم أن عادتهم التعنت، وديدنهم الكفر وأنهم أغرق الناس في غلظ الأكباد وجلافة الطبائع، وأن أوائلهم تعنتوا على من يدعون الإيمان به الآن، وأنهم على شريعته، وأحب شيء فيه ما أراهم من تلك الآيات العظام التي منها استنقاذهم من العبودية بل من الذبح وأن ذلك تكرر منهم مع ما يشاهدونه من القوارع والعفو فقال: {فقد} أي إن تستعظم ذلك فقد {سألوا} أي آباؤهم، أي وهم على نهجهم في التعنت فهم شركاؤهم {موسى} لغير داع سوى التعنت {أكبر} أي أعظم {من ذلك} أي الأمر العظيم الذي واجهوك به بعد ما ظهرت من المعجزات ما أوجبنا على كل من علمها الإيمان بك والتأديب معك، ثم بينه بقوله: {فقالوا أرنا الله} أي الملك الأعلى الذي لا شبيه له وتقصر العقول عن الإحاطة بعظمته {جهرة} أي عيانًا من غير ستر ولا حجاب ولا نوع من خفاء بل تحيط به أبصارنا كما يحيط السمع بالقول الجهر، وهذا يدل على أن كلًا من السؤالين ممنوع لكونه ظلمًا، لأدائه إلى الاستخفاف بما نقدمه من المعجزات، وعده غير كاف مع أن إنزا الكتاب جملة غير مناسب للحكمة التي بنيت عليها هذه الدار من ربط المسببات بالأسباب وبنائها عليها، لأن من المعلوم أن تفريق الأوامر سبب لخفة حملها، وذلك أدعى لامتثالها وايسر لحفظها وأعون على فهمها، وأعظم تثبيتًا للمنزل عليه وأشرح لصدره وأقوى لقلبه وأبعث لشوقه، والرؤية على هذا الوجه الذي طلبوه- وهو الإحاطة- محال فسؤالهم لذلك استخفاف مع أنه تعنت، ولذلك سبب عن سؤالهم قوله: {فأخذتهم} أي عقب هذا السؤال وبسببه من غير إمهال أخذ قهر وغلبة {الصاعقة} أي نار نزلت من السماء بصوت عظيم هو جدير بأن لا يسمى غيره- إذا نسب إليه- صاعقة، فأهلكتهم {بظلمهم} أي بسبب ظلمهم بهذا السؤال وغيره، لكونه تعنتًا من غير مقتض له أصلًا، وبطلب الرؤية على وجه محال وهو طلب الإحاطة {ثم} بعد العفو عنهم وإحيائهم من إماتة هذه الصاعقة {اتخذوا العجل} أي تكلفوا أخذه وعتوا أنفسهم باصطناعه.
ولما كان الضال بعد فرط البيان أجدر بالتبكيت قال: {من بعد} وأدخل الجار إعلامًا بأن اتخاذهم لم يستغرق زمان البعد، بل تابوا عنه {ما جاءتهم البينات} أي بهذا الإحياء وغيره من المعجزات {فعفونا} أي على ما لنا من العظمة {عن ذلك} أي الذنب العظيم بتوبتنا عليهم من غير استئصال لهم {وآتينا} أي بعظمتنا التي لا تدانيها عظمة {موسى سلطانًا} أي تسلطًا واستيلاء قاهرًا {مبينًا} أي ظاهرًا فإنه أمرهم بقتل أنفسهم فبادروا الامتثال بعد ما ارتكبوا من عظيم هذا الضلال، وفي رمز ظاهر إلى أنه سبحانه وتعالى يسلط محمدًا صلى الله عليه وسلم على كل من يعانده أعظم من هذا التسليط. اهـ.

.اللغة:

{جهرة} عيانا.
{بهتانا} البهتان: الكذب الذي يتحير فيه من شدته وعظمته.
{شبه} وقع الشبه بين عيسى والمقتول الذي صلبوه.
{واعتدنا} هيأنا.
{الراسخون} المتمكنون من العلم. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن هذا هو النوع الثاني من جهالات اليهود، فإنهم قالوا: إن كنت رسولًا من عند الله فائتنا بكتاب من السماء جملة كما جاء موسى بالألواح.
وقيل: طلبوا أن ينزل عليهم كتابًا من السماء إلى فلان وكتابًا إلى فلان بأنك رسول الله وقيل: كتابًا نعاينه حين ينزل، وإنما اقترحوا ذلك على سبيل التعنت لأن معجزات الرسول كانت قد تقدمت، وحصلت فكان طلب الزيادة من باب التعنت.
ثم قال تعالى: {فَقَدْ سَأَلُواْ موسى أَكْبَرَ مِن ذلك} وإنما أسند السؤال إليهم وإن وجد من آبائهم في أيام موسى عليه السلام وهم النقباء السبعون لأنهم كانوا على مذهبهم وراضين بسؤالهم ومشاكلين لهم في التعنت.
واعلم أن المقصود من الآية بيان ما جبلوا عليه من التعنت، كأنه قيل: إن موسى لما نزل عليه كتاب من السماء لم يكتفوا بذلك القدر، بل طلبوا منه الرؤية على سبيل المعاينة، وهذا يدل على أن طلب هؤلاء لنزول الكتاب عليهم من السماء ليس لأجل الاسترشاد بل لمحض العناد.
ثم قال تعالى: {فَقَدْ سَأَلُواْ موسى أَكْبَرَ مِن ذلك فَقَالُواْ أَرِنَا الله جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصاعقة بِظُلْمِهِمْ} وهذه القصة قد فسرناها في سورة البقرة، واستدلال المعتزلة بهذه الآية على نفي الرؤية قد أجبنا عنه هناك.
ثم قال تعالى: {ثُمَّ اتخذوا العجل مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ البينات} والمعنى بيان كمال جهالاتهم وإصرارهم على كفرهم فإنهم ما اكتفوا بعد نزول التوراة عليهم بطلب الرؤية جهرة، بل ضموا إليه عبادة العجل وذلك يدل على غاية بعدهم عن طلب الحق والدين، والمراد بالبينات من قوله: {مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ البينات} أمور: أحدها: أنه تعالى جعل ما أراهم من الصاعقة بينات، فإن الصاعقة وإن كانت شيئًا واحدًا إلاّ أنها كانت دالة على قدرة الله تعالى وعلى علمه وعلى قدمه، وعلى كونه مخالفًا للأجسام والأعراض وعلى صدق موسى عليه السلام في دعوى النبوّة.
وثانيها: أن المراد بالبينات إنزال الصاعقة وإحياؤهم بعد ما أماتهم.
وثالثها: أنهم إنما عبدوا العجل من بعد أن شاهدوا معجزات موسى عليه السلام التي كان يظهرها في زمان فرعون، وهي العصا واليد البيضاء وفلق البحر وغيرها من المعجزات القاهرة، والمقصود من ذلك الكلام أن هؤلاء يطلبون منك يا محمد أن تنزل عليهم كتابًا من السماء فاعلم يا محمد أنهم لا يطلبونه منك إلاّ عنادًا ولجاجًا، فإن موسى قد أنزل الله عليه هذا الكتاب وأنزل عليه سائر المعجزات القاهرة، ثم أنهم طلبوا الرؤية على سبيل العناد وأقبلوا على عبادة العجل، وكل ذلك يدل على أنهم مجبولون على اللجاج والعناد والبعد عن طريق الحق.
ثم قال: {فَعَفَوْنَا عَن ذلك} يعني لم نستأصل عبدة العجل {وآتينا موسى سلطانًا مبينًا} يعني أن قوم موسى وإن كانوا قد بالغوا في إظهار اللجاج والعناد معه لكنا نصرناه وقويناه فعظم أمره وضعف خصمه، وفيه بشارة للرسول صلى الله عليه وسلم على سبيل التنبيه، والرمز بأن هؤلاء الكفار وإن كانوا يعاندونه فإنه بالآخرة يستولي عليهم ويقهرهم. اهـ.

.قال ابن عطية:

وجمهور المتأولين على أن {جهرة} معمول لـ {أرنا}، أي: حتى نراه جهارًا أي عيانًا رؤية منكشفة بينة، وروي عن ابن عباس أنه كان يرى أن {جهرة} معمول لـ {قالوا}، أي قالوا جهرة منهم وتصريحًا {أرنا الله}.
قال القاضي أبو محمد: وأهل السنة معتقدون أن هؤلاء لم يسألوا محالًا عقلًا، لكنه محال من جهة الشرع، إذ قد أخبر تعالى على ألسنة أنبيائه أنه لا يرى في هذه الحياة الدنيا، والرؤية في الآخرة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالخبر المتواتر، وهي جائزة عقلًا دون تحديد ولا تكييف ولا تحيز، كما هو تعالى معلوم لا كالمعلومات كذاك هو مرئي لا كالمرئيات، هذه حجة أهل السنة وقولهم، ولقد حدثني أبي رضي الله عنه عن أبي عبد الله النحوي أنه كان يقول عند تدريس هذه المسألة: مثال العلم بالله حلق لحا المعتزلة في إنكارهم الرؤية. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنْ السَّمَاءِ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن اليهود سألوا محمدًا صلى الله عليه وسلم، أن ينزل عليهم كتابًا من السماء مكتوبًا، كما نزل على موسى الألواح، والتوراة مكتوبة من السماء، وهذا قول السدي، ومحمد بن كعب.
والثاني: أنهم سألوه نزول ذلك عليهم خاصة، تحكمًا في طلب الآيات، وهذا قول الحسن، وقتادة.
والثالث: أنهم سألوه أن ينزِّل على طائفة من رؤسائهم كتابًا من السماء بتصديقه، وهذا قول ابن جريج.
{فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن الله تعالى بيَّن بذلك أن سؤالهم للإعْنَاتِ لا للاستبصار كما أنهم سألوا موسى أن يريهم الله جهرة، ثم كفروا بعبادة العجل.
والثاني: أنه بيَّن بذلك أنهم سألوا ما ليس لهم، كما أنهم سألوا موسى من ذلك ما ليس لهم.
{فَقَالُواْ أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً} فيه قولان:
أحدهما: أنهم سألوه رؤيته جهرة، أي معاينة.
والثاني: أنهم قالوا: جهرة من القول أّرِنا الله، فيكون على التقديم والتأخير، وهذا قول ابن عباس.
{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ} فيه قولان:
أحدهما: بظلمهم لأنفسهم.
والثاني: بظلمهم في سؤالهم. اهـ.